( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب



[size=21]ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ



( أَفَمَــن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَــنْ هُــــوَ

أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ

وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ، وَالَّذِيــنَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ


أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُـــمْ وَيَخَافُونَ سُــوءَ الحِسَابِ ،

وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْــهِ رَبِّهِـــمْ وَأَقَـــامُــواْ الصَّلاَةَ

وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ


السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ، جَنَّاتُ عَــدْنٍ يَدْخُلُونَهَا

وَمَنْ صَلَحَ مِــنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ

يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ،سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ

فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) .




يقـول تعالى : مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم

( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ ) ففهـــم ذلك

وعمل به ( كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) لا يعلم الحق ولا يعمل به


فبينهما مـن الفرق كما بيـن السماء والأرض ، فحقيق

بالعبد أن يتذكـر ويتفكر أي الفريقين أحسن حالا وخير

مآلا فيؤثر طريقها ويسلك خلف فريقها ، ولكن

ما كل أحد يتذكر ما ينفعه ويضره .




( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) أي : أولو العقول الرزينة،

والآراء الكاملة، الذين هم لُبّ العالم، وصفوة بني آدم،

فإن سألت عن وصفهم، فلا تجد أحسن من وصف الله


لهم بقوله ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ ) الذي عهده إليهم

والـذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة ،

فالوفاء بهـا توفيتها حقها مــن التتميم لها ، والنصح


فيها ( و ) من تمام الوفاء بهــــــا أنهــم ( لاَ يِنقُضُونَ

الْمِيثَاقَ ) أي : العهد الذي عاهدوا عليه الله، فدخل في

ذلك جميع المواثيق والعهود والأيمان والنذور ، التي


يعقدها العباد . فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين

لهم الثواب العظيم ، إلا بأدائها كاملة ،وعدم نقضها

وبخسها .




( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) وهذا عام

في كل ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به وبرسوله ،

ومحبته ومحبة رسوله ، والانقياد لعـبــادتــه وحده

لا شريك له ، ولطاعة رسوله .



ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعـدم

عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم


قولا وفعلا ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب

والمماليك ، بأداء حقهم كاملا موفرا مـــن الحقوق

الدينية والدنيوية .



والسبب الـذي يجعل العبد واصلا مــا أمـــر الله بــه أن

يوصل ، خشية الله وخوف يوم الحساب ، ولهــذا قــال

(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي: يخافونه ، فيمنعهم خوفهم منه،


ومن القدوم عليه يــوم الحساب ، أن يتجرؤوا عـــلى

معاصي الله ، أو يقصروا فـي شيء مما أمر الله به

خوفا من العقاب ورجاء للثواب .



( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ) عــلى المأمورات بالامتثال ، وعـن

المنهيات بالانكفاف عنها والبعد منها ، وعـلى أقدار

الله المؤلمة بعدم تسخطها .



ولكن بشرط أن يكـون ذلك الصبر ( ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ )

لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة ، فإن هذا

هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه ، طلبــــا


لمرضاة ربه ورجاء للقرب منه والحظوة بثوابه ،وهو

الصبر الذي مـــن خصائص أهل الإيمان ، وأما الصبر


المشترك الـــذي غايته التجلد ومنتهاه الفخر ، فــهــذا

يصدر من البر والفاجر ، والمؤمن والكافر، فليس

هو الممدوح على الحقيقة .



( وَأَقَــامُـــواْ الصَّـــلاَةَ ) بأركانها وشروطها ومكملاتها

ظاهرا وباطنا ، ( وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً )


دخـــل فــي ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات

والنفقات المستحبة وأنهم ينفقون حيث دعت الحاجة

إلى النفقة ، سرا وعلانية .



(وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي: من أساء إليهم بقول

أو فعل ،لم يقابلوه بفعله ، بل قابلوه بالإحسان إليه .



فيعطون من حرمهم ،ويعفون عمن ظلمهم ، ويصلون

من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا

يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء؟!



( أُوْلَئِكَ ) الــذيــن وصــفــت صفاتهم الجليلة ومناقبهم

الجميلة (لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) فسرها بقوله ( جَنَّاتُ عَدْنٍ )


أي : إقامة لا يزولون عنهـا ، ولا يبغون عنهـا حولا ؛

لأنهم لا يرون فوقها غاية لما اشتملت عليه من النعيم

والسرور ، الذي تنتهي إليه المطالب والغايات .



ومــن تمام نعيمهم وقرة أعينهم أنهم ( يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ

صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ ) مـــن الذكور والإناث ( وَأَزْوَاجِهِمْ )

أي الــزوج أو الــزوجــة وكـــذلك النظراء والأشباه ،


والأصحاب والأحباب ، فإنهم من أزواجهم وذرياتهم ،

( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّـن كُـــلِّ بَابٍ ) يهنئونهم

بالسلامة وكرامة الله لهــم ويقولون ( سَلاَمٌ عَلَيْكُم )


أي : حلت عليكم السلامة والتحية مــن الله وحصلت

لكــم ، وذلك متضمن لزوال كل مكروه ، ومستلزم

لحصول كل محبوب .



( بِمَا صَبَرْتُمْ ) أي : صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه

المنازل العالية، والجنان الغالية، ( فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ )



فحقيق بمــن نصح نفسه وكــان لهــــا عنده قيمة ، أن

يجاهدها لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب،


لعلها تحظى بهذه الدار التي هي منية النفوس وسرور

الأرواح الجامعة لجـــميع اللذات والأفراح ، فلمثلها

فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون .



الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص 416)


للشيـــخ : عبد الرحمن السعـدي رحمه الله تعالى