يا من مال قلبُه لفتاة وأراد الزواج بها.. ويا من مالت لشاب ميلا طاهرا وتتمنى أن تتزوج به، ويا كل أب ويا كل أم.. دعونا نترك المظاهر جانبا، دعونا نقف على باب النبي نعرض عليه أحوال قلوب أولادنا وبناتنا وقد حزنت القلوب وتعذبت النفوس. ولنسأله ماذا نفعل معهم حتى لا يتخطفهم الشيطان منّا فنرفض الحلال ليوقعهم الشيطان رغما عنّا في براثن الحرام...
إن ما نراه وما نسمع به ونعيشه أو نتعايشه مع الآخرين يدفعنا إلى أن نفكر مليّا في أحوالنا.. أن نتدبرها.. فالله خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، يعلم ضعفه وأن الرجل يبحث عن الجزء الذي خرج من ضلعه لتكتمل أسباب حياته وهي المرأة، وأن المرأة تبحث عن الواحة التي كان منبتها فيها لتستقر وتهدأ نفسا.. يعلم الله كل هذا فينا وأكثر فلماذا نتغافل نحن عنه وننكره ونجحد به في العلن ونسحق زهرته التي تريد أن تحيا في النور، لنتركها تبحث عن وجودها في الظلام.. خلف جدران الخطيئة والمعصية فنُمِيتها على غير هدى..
فيا أحبائي.. إن الحب موجود منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها. والميل بين الطرفين شابا أو فتاة أمر وارد.. ورغم ذلك نجد أننا إذا عرفنا أن ابنتنا مال قلبُها لأحد، نتهمها بالفجور والخروج عن الدين والملّة وكأنها خلقت لتكون بلا قلب.. تتوارى بمشاعرها عن أهلها خجلا وتتعذب بما تحمله بين جوانحها من قلب ضعيف.. ويُقام جدارٌ عالٍ وسميك بين الأهل وابنتهم.. فإلى أي مآل تظنون أنها ستذهب يا أهل التقوى والالتزام الأعمى عن الوعي والفطنة التي نادى بها النبي بقوله: "المؤمن كيّس فطِن".
الأعجب من هذا أنه لو تقدم الشاب الذي مالت إليه ابنتنا ومال هو إليها نضع أمامه العراقيل، ونطالبه بما لا يطيق، وربما نرفضه صراحة ليرحل عن البيت وهو متعلق بها وهي متعلقة به.. ونظن أننا بالرفض حللنا المشكلة ونحن في الحقيقة أوجدنا مشكلة قد تمتد معهما لباقي العمر..
إن النبي الكريم قدّم لنا حل هذه المشكلة ولكننا لا نريد أن نتكلم عنه أو نتكلم فيه.. قال النبي في حديث رواه ابن ماجة في سننه: "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح".. دققوا قليلا أعزكم الله.. إن الحديث واضح أنه ليس من حلٍّ أفضل ولا أعظم ولا أقوم للمتحابين غير الزواج.. لماذا؟
لأن النبي يريد لنا طهارة القلوب يريد لنا إغلاق الباب على وساوس الشيطان. يريد للشهوات ألاّ تخرجَ إلا في حلال.. يريد للإنسان الذي مال قلبه لآخر أن يهدأ بالا ليسعد بدينه ودنياه.. أما نحن فإذا تكلم معنا أحد بهذا حدَّثناه عن العريس الجاهز وعن الفرح وقائمة المنقولات والمؤخر.. وكل المظاهر الكاذبة في دنيا تعسة وحياة بائسة نحياها؛ لأن من يتزوجون اليوم بلا مشاعر أو بالأحرى بمشاعر تتجه لمن لا يعيشون معهم ما هم إلا ضحايا سقطوا تحت أنقاض تجربة حب قديم لم تكتمل أركانه..
فإذا ما مرت العاصفة على هذا البيت الجديد ولم يكن هناك من الإيمان ما يعصم الشاب أو الفتاة من الزلل وجدناه يتذكر حبه القديم وتتذكر هي من مالت إليه وهنا نفتح الباب على مصراعيه للطلاق الذي تجاوز كل حدود المعقول في عالمنا الإسلامي ولا سيما في مصر.. وفتحنا الباب لتشريد الأطفال وفتحنا الباب لليأس من الحلال والركون للحرام ولو بعد سنوات..
إن تجارب الحياة تقول ما قاله النبي: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح".. فإذا جاءك أيها الأب شاب تميل إليه ابنتك وكان ذا خلق ودين فزوجه دون تردد.. فإنك إن رفضت تكون قد ضيّعت سنة من سنن الله في أرضه.. وتكون قد ارتضيت لابنتك أن تعيش مع رجل وقلبها مع آخر.. تكون قد أوصلتها للخيانة بالخاطر دون أن تدري.. فيا ليت قومي يعلمون..
يسِّروا ولا تُعِّسروا.. ولا تغلقوا على فتياتكم الأبواب دون معرفتكم بما في قلوبهن؛ فإن ذلك ذنب عظيم، وما سيترتب عليه سيكون ذنبا أعظم.. اقتربوا من أبنائكم وفتياتكم فكم من القلوب الحزينة والآمال المتكسرة في بيوتكم وأنتم لا تشعرون..
إنها ليست دعوة للانحلال والتسيب، أو الزهد في غض البصر وكف الأذى عن القلوب.. لسيت دفاعا عن حب النواصي والتسلية وإطلاق العنان لمراهقينا تحت هذا المسمى يخربون قلوبهم وحياتهم بأيديهم..
إنها دعوة لأن نجعل الحب بمعناه هو الأساس في زمن طغت فيه الماديات وألقت بغشاوتها على القلوب والعقول.. دعوة لأن نتفهم حقيقة ديننا ولا نكتفي بأداء الشعائر تاركين قلوبنا على تحجرها وصلابتها، وعقولنا على انغلاقها وجفوتها. اقرأوا قرآن ربكم ستجدوه وقد تكلم عن كل شيء.. {ما فرّطنا في الكتاب من شيء}.
ارحموا قلوب أبنائكم وطهروها من دنس الخطيئة بأن توافقوا على شريعة الحب مادام من يتقدم لكم يطرق الباب بحق وإن قلَّ مالُه... والله أسأل أن يريح قلب كلَ محبٍ مال وأحب وعفّ وعاش دون أن يصلَ لمن يحبُه معيشةً وزواجًا..
وأن يرحم قلبَ كلِ فتاة أحبت ومالت وحُرمت من أن تعيش حياتها مع من مال إليه قلبُها وعاشت مع غيره واتقت الله فيه وصبرت على أمرها بعفة وطهارة...
وأن يهدي آباءنا وأمهاتنا بأن يُحكِّموا قلوبَهم وعقولهم ولا يجعلوا المظاهر تقتل حياة أبنائهم ظلما وهم لا يشعرون.