المدير Admin
عدد المساهمات : 2380 تاريخ التسجيل : 26/05/2010
| موضوع: الايمان بالقضاء والقدر ( 3 ) دفع القدر بالقدر الأربعاء مايو 18, 2011 11:18 pm | |
| دفع القدر بالقدر: انتشر الطاعون في أرض الشام، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيها، فأراد أن يرجع، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، أفر من قدر الله إلى قدر الله. فالطاعون مرض، والمرض قدر من أقدار الله -عز وجل-، فالفرار منه إلى الأرض الصحيحة التي ليس بها مرض هو فرار إلى قدر الله أيضًا، ثم يضرب عمر بن الخطاب لأبي عبيدة -رضي الله عنهما- مثلا بالأرض الخصبة، وأنه إذا كان يرعى في أرض جدباء لا كلأ فيها ولا خضرة، ثم انتقل إلى أرض خصبة مليئة بالعشب، فإنه ينتقل من قدر إلى قدر. والمسلم يؤمن أن القدر يدفع بالقدر، فالمرض قدر من أقدار الله -عز وجل- لا يدفعه إلا قدر التداوي، ولما سئل النبي (: يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال (: (هي من قدر الله) [ابن ماجه وأحمد]. والرسول ( يقول أيضًا: (تداووا عباد الله، فإن الله -تعالى- لم يضع داءً إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم (الشيخوخة)) [أحمد]. فإذا قعد الإنسان عن مدافعة الأقدار، مع القدرة على ذلك كان آثمًا، فإذا لم يدفع قدر الجوع مثلا بقدر الأكل، هلك ومات عاصيا لله. إنما الأعمال بالخواتيم: والمسلم يؤمن أن الأعمال بخواتيمها، فإن كان آخر عمل الإنسان خيرًا فإن هذا يبشر بالخير والثواب، ومن كان آخر عمله شرًا أخذ به، قال (: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع، فيسبق عليه القول، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) [البخاري]. فالمسلم عليه أن يسارع إلى الخيرات، لأن الأجل غير معلوم، وهو يبذل ما في وسعه، ويترك النتائج على الله -عز وجل-، والله -عز وجل- لا يكلف الإنسان إلا بما يقدر عليه، ولا يجبره على فعل ما لا يستطيع. والمسلم يعلم أن من لطف الله ورحمته بعباده، أنهم لو أساءوا طوال حياتهم، ثم تابوا إلى الله -عز وجل-، وعملوا بعمل أهل الجنة، فإنهم يعاملون بذلك، فعلى المسلم أن يستعين بالله على فعل الخير، وأن يدعو الله -عز وجل- أن يحسن خاتمته، فإن القدر لا يرده إلا الدعاء، قال (: (لا يرد القدر إلا الدعاء) [الترمذي والحاكم]. القدر والتواكل: والمسلم لا يتخذ القدر حجة للتواكل، ومبررًا للمعاصي، وطريقًا إلى القول بالجبر، ولكنه يتخذ القدر سبيلا إلى تحقيق الأهداف السامية والغايات النبيلة، فينطلق إلى البناء والتعمير، واستخراج كنوز الأرض، والانتفاع بخيراتها التي أودعها الله في جوفها، وبذلك يربطه الإيمان بالقدر برب هذا الوجود وخالقه، وعلى المسلم ألا يتواكل، ولكن يكون فهمه للقدر كما فهمه الرسول ( وصحابته. فقد كان الرسول ( جالسًا ذات يوم، وفي يده عود ينْكُتُ به (يخُطُّ به على الأرض). فرفع رأسه فقال: (ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار). قالوا: يا رسول الله! فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: (لا. اعملوا، فكل ميسر لما خلق له). ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب الحسنى. فسنيسره للعسرى} [الليل: 5-10] [مسلم]. فالرسول ( وضح لنا أن الله -عز وجل- علم منذ الأزل أعمال العباد في الدنيا، وكتب ذلك عنده وعلم مستقرهم، وعندما يشعر المسلم بهذا فإنه لا يدعو إلى التواكل بل يدعو إلى الجد في العمل، ولو لم يفهم الصحابة ذلك لما وجدناهم بهذا النشاط وهذه القدوة في الأخذ بالأسباب، فلم يتكاسلوا عن طاعة الله أبدًا. ثمرات الإيمان بالقدر: غرس الرسول ( عقيدة القدر في نفوس أصحابه، فعلموا أن ما أصابهم فهو بقدر الله ولم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم فهو بقدر الله ولم يكن ليصيبهم، فانطلقوا بنفوس مطمئنة يدعون إلى دين الله -عز وجل-، وهم يحملون في قلوبهم عقيدة القدر كما علمهم إياها الرسول ( في شخص ابن عباس -رضي الله عنهما- حين قال له: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [الترمذي]. والمسلم نفسه مطمئنة يعلم أن الله هو الرءوف الرحيم، الذي قدر له الخير أو الشر، فلا يجزع من مصيبة ولا يجحد بنعمة، فهو شاكر في السراء، صابر في الضراء، قال (: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له) [مسلم]. فالمسلم ينظر إلى المصيبة على أنها قدر من الله -تعالى- يجب عليه أن يقابلها بالصبر، فقد تكون وراءها حكمة عظيمة لا يعلمها إلا الله -عز وجل-، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]. والمسلم يرجو أن تكون هذه المصيبة تخفيفًا له من عذاب يوم القيامة، كما قال ( حين سئل: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [الترمذي]. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: أما بعد: فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر. وما أجمل قول ابن القيم حين قال: وإذا اعترتْكَ بليةٌ فاصبرْ لها صــبرَ الكريمِ فإنَّه بكَ أكرمُ وإذا شكوتَ إلى ابْنِ آدمَ إنما تشكو الرَّحيمَ إلى الذي لا يرحمُ والمسلم بإيمانه بقضاء الله وقدره لا ينظر إلى ما فضل الله به بعض الناس على بعض؛ لأن هذا ملك الله -عز وجل-، فهو يعطي ويمنع بقدره سبحانه، قال تعالى: {قل الله مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26]. والإيمان بالقدر يدفع المسلم إلى الأخذ بالأسباب، والعمل على اكتشاف ما في الكون، فإن أصابه الفشل لا ينزعج، وإن كان النجاح شكر الله على توفيقه.
27 | |
|