منتدي نسائم الرحمه
منتدي نسائم الرحمه
منتدي نسائم الرحمه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي نسائم الرحمه

اسلامي . ثقافى . اجتماعى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحث على الرضى والقناعة وأثرهما

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ظنى بربى جميل

ظنى بربى جميل


عدد المساهمات : 722
تاريخ التسجيل : 13/06/2010
الموقع : نسائم الرحمه

الحث على الرضى والقناعة وأثرهما  Empty
مُساهمةموضوع: الحث على الرضى والقناعة وأثرهما    الحث على الرضى والقناعة وأثرهما  Icon_minitimeالإثنين يونيو 13, 2011 2:26 am


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شرح منظومة الآداب / السفاريني
مطلب : في الفرق بين المسكين والفقير . وفي اصطلاح الفقهاء الفقير من وجد أقل من نصف كفايته أو لم يجد شيئا أصلا . والمسكين من وجد نصف كفايته فأكثر . فالفقير أشد احتياجا من المسكين عندنا على الصحيح . وقيل عكسه ، اختاره ثعلب . قال في الفروع : وثعلب من أصحابنا . وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، والأول المذهب الذي لا يفتى إلا به . قال في الفروع : وفاقا للشافعي . واعلم أن الفقير يطلق على المسكين ، والمسكين يطلق على الفقير ، فهما كالإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، وليسا سواء باتفاق . وتظهر فائدة الخلاف في مسائل ، منها إذا أوصي للفقراء بكذا وللمساكين بكذا ، ولسنا بصدد ما ذكر الفقهاء - أعلى الله كعبهم - وإنما قصدنا التنبيه على بعض مناقب الفقر ، فقد ورد فيه أخبار كثيرة ، وآثار غزيرة .
مطلب : في التنبيه على بعض مناقب الفقر وأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء . فروى البزار بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن بين أيديكم عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف } وفي رواية عند الطبراني بإسناد صحيح قالت أم الدرداء قلت لأبي الدرداء : مالك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن وراءكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون ، فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة } . الكئود بفتح الكاف بعدها همزة مضمومة هي العقبة الصعبة الشاقة . وفي حديث الدعاء { ولا يتكأدك عفو عن مذنب } أي لا يصعب عليك ويشق كما في النهاية . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب } والطبراني بإسناد حسن عن رافع بن خديج رضي الله عنه مرفوعا { إذا أحب الله عز وجل عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه } ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث قتادة . وروى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء } رواه الإمام أحمد بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو إلا أنه قال فيه { واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء } . وأخرج الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن دراج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن موسى قال : أي رب عبدك المؤمن يقتر عليه في الدنيا ، قال فيفتح له باب من الجنة فينظر إليها ، قال له يا موسى هذا ما أعددت له ، قال موسى : أي رب وعزتك وجلالك لو كان أقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير بؤسا قط . ثم قال موسى : أي رب عبدك الكافر توسع عليه في الدنيا ، قال فيفتح له باب من النار ، فيقال له يا موسى هذا ما أعددت له ، فقال موسى أي رب وعزتك وجلالك لو كان له الدنيا منذ خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره كأن لم ير خيرا قط } وأخرج الإمام أحمد أيضا والبزار ورواتهما ثقات عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ؛ ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم ، فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم ؟ قال إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء . قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } } . وأخرج ابن حبان في صحيحه عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تجتمعون يوم القيامة فيقال أين فقراء هذه الأمة ؟ قال فيقال لهم ماذا عملتم ؟ فيقولون ربنا ابتليتنا فصبرنا . ووليت الأموال والسلطان غيرنا فيقول الله عز وجل صدقتم ، قال فيدخلون الجنة قبل الناس وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان } الحديث . وأخرج الإمام أحمد عن أبي الصديق الناجي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بأربعمائة عام حين يقول المؤمن الغني يا ليتني كنت عيلا ، قال قلت يا رسول الله سمهم لنا بأسمائهم ، قال هم الذين إذا كان مكروه بعثوا إليه ، وإذا كان نعيم - وفي نسخة مغنم - بعث إليه سواهم ، وهم الذين يحجبون عن الأبواب } . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام } رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه . وقال الترمذي حديث حسن صحيح . قال الحافظ المنذري : رواته محتج بهم في الصحيح . ورواه ابن ماجه بزيادة عن ابن عمر . وأخرج الإمام أحمد بإسناد جيد قوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا ، فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة ، فلقيه الفقير فقال يا أخي ما حبسك ، والله لقد حبست حتى خفت عليك ، فيقول يا أخي إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ماء لو ورده ألف بعير كلها آكلة حمض لصدرت عنه رواء } الحمض بالحاء المهملة ما ملح وأمر من النبات . وفي الصحيحين وغيرهما عن أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين ، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار . وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء } الجد بفتح الجيم هو الحظ والغنى . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين . وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة } رواه ابن ماجه إلى قوله { المساكين } والحاكم بتمامه وقال صحيح الإسناد . ورواه أبو الشيخ والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح سمع أبا سعيد يقول أيها الناس لا تحملنكم العسرة على طلب الرزق من غير حله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { اللهم توفني فقيرا ولا توفني غنيا واحشرني في زمرة المساكين فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة } . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { أحبوا الفقراء وجالسوهم ، وأحب العرب من قلبك ، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك } . وأخرج الإمام أحمد بإسنادين أحدهما محتج به في الصحيح عن محمود بن لبيد وهو مختلف في صحبته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اثنتان يكرههما ابن آدم : الموت ، والموت خير من الفتنة ، ويكره قلة المال ، وقلة المال أقل للحساب } . . وفي الزهد للإمام أحمد رضي الله عنه قال : حدثنا يزيد قال : أبو الأشهب قال : حدثني سعيد بن أيمن مولى كعب بن سور قال : { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ جاء رجل من الفقراء فجلس إلى جنب رجل من الأغنياء فكأنه قبض من ثيابه عنه ، فتغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخشيت يا فلان أن يعدو غناك عليه وأن يعدو فقره عليك ؟ قال يا رسول الله وشر الغنى ؟ قال نعم إن غناك يدعوك إلى النار وإن فقره يدعوه إلى الجنة . قال فما ينجيني منه ؟ قال تواسيه ، قال إذن أفعل ، فقال الآخر لا أرب لي فيه . قال فاستغفر وادع لأخيك } . وفي الصحيحين أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال " أعطينا ما أعطينا من الدنيا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . وقد روى البزار واللفظ له والطبراني ورواته ثقات إلا عمار بن سيف ، وقد وثق في حديث طويل ، قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه : { ثم أقبل يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال لقد بطأ بك غناك من بين أصحابي حتى خشيت أن تكون هلكت وعرقت عرقا شديدا فقال : ما بطأ بك ؟ فقلت يا رسول الله من كثرة مالي ما زلت موقوفا محاسبا أسأل عن مالي من أين اكتسبته وفيما أنفقته ، فبكى عبد الرحمن وقال يا رسول الله هذه مائة راحلة جاءتني الليلة من تجارة مصر فإني أشهدك أنها على أهل المدينة وأيتامهم لعل الله يخفف عني ذلك اليوم } . قال الحافظ المنذري : وقد ورد من غير ما وجه ومن حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يدخل الجنة حبوا لكثرة ماله } ولا يسلم أجودها من مقال . ولا يبلغ شيء منها بانفراد درجة الحسن . ولقد كان ماله رضي الله عنه بالصفة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم { نعم المال الصالح للرجل الصالح } فأنى ينقص درجاته في الآخرة ويقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة . فإنه لم يرد هذا في حق غيره ، إنما صح سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم على الإطلاق انتهى والله أعلم .
واعلم أن للفقير الصابر آدابا . فمن جملتها أن لا يكره ما ابتلاه الله تعالى به من الفقر ، وهذا واجب عليه . وأرفع من هذا أن يكون راضيا بالفقر . وأرفع منه أن يكون طالبا له وفرحا به ، ولهذا قال الناظم رحمه الله تعالى : مطلب : في اتخاذ الرضا درعا ، وهل هو كسبي أو وهبي ؟ ( وادرع ) أصله ادترع بعد نقل درع إلى الافتعال قلبت التاء دالا فصار اددرع بدالين فأدغمت الدال في الدال الأخرى لوجوب الادغام فصار ادرع أنت ( الرضا ) أي اتخذ الرضا درعا ، يقال ادرع الرجل إذا لبس الحديد بالدال المهملة وفلان ادرع الليل إذا دخل في ظلمته يسري كأنه جعل الليل درعا ؛ لأن الدرع يستر من وقع الأسنة والليل يستر بظلمته عن أعين الرقباء . فإذا لبس الفقير درع الرضا فقد سلم من حراب الجزع وأسنة التسخط ونبال التبرم . قال في القاموس : الرضا ضد السخط . قال الإمام المحقق ابن القيم في شرح منازل السائرين : قد أجمع العلماء على أنه مستحب مؤكد استحبابه ، واختلفوا في وجوبه على قولين . قال وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يحكيهما قولين لأصحاب الإمام أحمد رضي الله عنه ، وكان يذهب إلى القول باستحبابه . قال : ولم يجئ الأمر به كما جاء الأمر بالصبر ، وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحهم . قال : وأما ما يروى من الأثر : من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي ، فهذا أثر إسرائيلي ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الإمام ابن القيم : قلت ولا سيما عند من يرى أنه من جملة الأحوال التي ليست مكتسبة وأنه موهبة محضة ، فكيف يؤمر به وليس مقدورا . وهذه مسألة اختلف فيها أرباب السلوك على ثلاث طرق ، فالخراسانيون قالوا إن الرضا من جملة المقامات وهو نهاية التوكل . فعلى هذا يمكن أن يتوصل إليه العبد باكتسابه . والعراقيون قالوا هو من جملة الأحوال ، وليس كسبيا للعبد ، بل هو نازلة تحل بالقلب كسائر الأحوال . والفرق بين المقامات والأحوال أن المقامات عندهم من المكاسب ، والأحوال مجرد المواهب . وحكمت فرقة ثالثة بين الطائفتين منهم صاحب الرسالة يعني القشيري وغيره فقالوا : يمكن الجمع بينهما بأن يقال : بداية الرضا مكتسبة للعبد وهي من جملة المقامات ، ونهايته من جملة الأحوال ، فأوله مقام ونهايته حال . واحتج من جعله من جملة المقامات بأن الله مدح أهله وأثنى عليهم وندبهم إليه فدل على أنه مقدور لهم . وقال صلى الله عليه وسلم { ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا } وقال : { من قال حين يسمع النداء رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، غفرت له ذنوبه } . وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين ، وإليهما ينتهي ، وقد تضمنا الرضا بربوبيته سبحانه وألوهيته ، والرضا برسوله والانقياد له ، والرضا بدينه والتسليم له ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصديق حقا ، وهي سهلة بالدعوى واللسان ، ومن أصعب الأمور على الحقيقة والامتحان ، ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها . ولسنا بصدد بيان ذلك . قال ابن القيم : والتحقيق في المسألة أن الرضا كسبي باعتبار سببه ، وهبي باعتبار حقيقته ، فمن تمكن بالكسب لأسبابه وغرس شجرته اجتنى منها ثمرة الرضا ، فإنه آخر التوكل ، فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض حصل له الرضا ولا بد . ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه رحمة منه بهم وتخفيفا عنهم . نعم ندبهم إليه وأثنى على أهله ، وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنات وما فيها ، فمن رضي عن ربه رضي الله عنه ، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه ، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده ، رضا قبله أوجب له أن يرضى عنه ، ورضا بعده هو ثمرة رضاه عنه . ولذا كان الرضا باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، ومستراح العارفين ، وحياة المحبين ، ونعيم العابدين ، وقرة أعين المشتاقين . ومن أعظم أسباب حصول الرضا أن يلزم ما جعل الله سبحانه رضاه فيه فإنه يوصله إلى مقام الرضا ولا بد . قيل ليحيى بن معاذ رحمه الله : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ فقال إذا أقام نفسه على أربعة فصول فيما يعامل به ربه ، فيقول إن أعطيتني قبلت ، وإن منعتني رضيت ، وإن تركتني عبدت ، وإن دعوتني أجبت . ولهذا قال الناظم : رحمه الله تعالى بعد أمره باتخاذ الرضا درعا وجنة ووقاية يتحصن به عن اختلاج القلب واضطرابه من النوائب والخطرات والهواجس والشبهات ، بل يكون مطمئن القلب ساكن اللب ( ل ) جميع ( ما ) أي الذي ( قلب ) هـ ( الرحمن ) جل ثناؤه وصرفه وقضاه وقدره من المكروهات والمحبوبات .

مطلب : في بيان الفرق بين الرضا والمحبة وبين الرجاء والخوف . قال الجنيد قدس الله سره : الرضا هو صحة العلم الواصل إلى القلب ، فإذا باشر القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضا ، وليس الرضا والمحبة كالرجاء والخوف ، فإن الرضا والمحبة حالان من أحوال أهل الجنة لا يفارقان في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة ، بخلاف الخوف والرجاء فإنهما يفارقان أهل الجنة بحصول ما كانوا يرجونه ، وأمنهم مما كانوا يخافونه ، وإن كان رجاؤهم لما ينالون من كرامته دائما لكنه ليس رجاء مشوبا بشك . بل رجاء واثق بوعد صادق من حبيب قادر ، فهذا لون ورجاؤهم في الدنيا لون . وقال ابن عطاء الله الإسكندراني رحمه الله تعالى : الرضا سكون القلب إلى قدم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به . قال ابن القيم : وهذا الرضا بما منه ، وأما الرضا به فأعلى من هذا وأفضل ، ففرق بين من هو راض بمحبوبه وبين رضاه فيما يناله من محبوبه من حظوظ نفسه . واعلم أنه ليس من شرط الرضا أن لا يحس بالألم والمكاره ، بل أن لا يعترض على الحكم ولا يتسخطه . ولهذا أشكل على بعض الناس الرضا بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا : هذا ممتنع على الطبيعة وإنما هو الصبر ، وإلا فكيف يجتمع الرضا والكراهة وهما ضدان . والصواب أنه لا تناقض بينهما ، وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا تنافي الرضا ، كرضا المريض بشرب الدواء الكريه ، ورضا الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ ، ورضا المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها . وقد قال الواسطي رحمه الله تعالى : استعمل الرضا جهدك ولا تدع الرضا يستعملك فتكون محجوبا بلذته ورؤيته عن حقيقة ما تطالع . وهذا الذي أشار إليه رحمه الله عقبة عظيمة عند القوم ومقطع لهم ، فإن مساكنة الأحوال والسكون إليها والوقوف عندها استلذاذا ومحبة حجاب بينهم وبين ربهم بحظوظهم عن مطالعة حقوق محبوبهم ومعبودهم ، وهي عقبة لا يجوزها إلا أولو العزائم ، وكان الواسطي كثير التحذير من هذه شديد التنبيه عليها . ومن كلامه : إياكم واستحلاء الطاعات فإنها سموم قاتلة . فهو معنى قوله استعمل الرضا لا تدع الرضا يستعملك ، أي لا يكون عملك لأجل حصول حلاوة الرضا بحيث تكون هي الباعثة لك عليه ، بل اجعله آلة لك وسببا موصلا إلى مقصودك ومطلوبك ، فتكون مستعملا له لا أنه مستعمل لك . وهذا لا يختص بالرضا بل هو عام في جميع الأحوال والمقامات القلبية التي يسكن إليها القلب . قال ذو النون : ثلاثة من أعمال الرضا : ترك الاختيار قبل القضاء وفقدان المرارة بعد القضاء ، وهيجان الحب في حشو البلاء وقيل للحسين بن علي رضي الله عنهما : إن أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة ، فقال رضي الله عنه : رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله تعالى لم يتمن غير ما اختار الله له . وقال الفضيل بن عياض لبشر الحافي : الرضا أفضل من الزهد في الدنيا ؛ لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلته . وسئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم { أسألك الرضا بعد القضاء } فقال : لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا ، والرضا بعد القضاء هو الرضاء . وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد فإن الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى وإلا فالصبر . وقد أكثر العلماء لا سيما أرباب القلوب من الكلام في الرضا ، فقيل هو ارتفاع الجزع في أي حكم كان . وقيل رفع الاختيار ، وقيل استقبال الأحكام بالفرح . وقيل سكون القلب تحت مجاري الأحكام . وقيل نظر القلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد . وللفقير في الرضا بمر القضا شعر : أنا في الهوى عبد وما للعبد أن يتعرضا مالي على مر القضا من حيلة غير الرضا

( تنبيه ) : خلاصة القول في الرضا بالقضاء في نحو ما يخالف به الطاعة ، ويكتسب به الإثم وخسران البضاعة ، أنا نرضى بالقضاء الذي هو فعل الرب جل شأنه ، دون المقضي الذي هو فعل العبد ، وبه تعلم أن الخلق غير المخلوق ، والفعل غير المفعول ، والقضاء غير المقضي . وقال ابن القيم في شرح منازل السائرين : الرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان ، فيجب على العبد أن يكون راضيا به بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض . قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } فأقسم سبحانه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله ، ويرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه ، ويسلموا لحكمه ، وهذا حقيقة الرضا بحكمه ؛ فالتحكيم في مقام الإسلام ، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان ، والتسليم في مقام الإحسان . ومتى خالط القلب بشاشة الإيمان ، واكتحلت بصيرته بحقيقة اليقين ، وحيي بروح الوحي وتمهدت طبيعته ، وانقلبت النفس الأمارة مطمئنة راضية وادعة ، وتلقى أحكام الرب تعالى بصدر واسع منشرح مسلم ، فقد رضي كل الرضا بهذا القضاء الديني المحبوب لله ورسوله . والرضا بالقضاء الكوني القدري الموافق لمحبة العبد وإرادته ورضاه من الصحة والغنى والعافية واللذة أمر لازم لمقتضى الطبيعة ، فإنه ملائم للعبد محبوب له ، فليس في الرضا به عبودية في مقابلته بالشكر والاعتراف بالمنة ووضع النعمة مواضعها التي يحب الله أن توضع فيها ، وأن لا يعصي المنعم بها . والرضا بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته مما يلائم ولا يدخل تحت اختياره مستحب ، وهو من مقامات الإيمان ، وفي وجوبه قولان ، وهذا كالمرض والفقر وأذى الخلق له ، والحر والبرد والآلام . والرضا بالقضاء والقدر الجاري عليه باختياره مما يكرهه الله ويسخطه وينهى عنه كأنواع الظلم والفسوق والعصيان حرام يعاقب عليه ، وهو مخالفة لربه تعالى ، فإنه جل ثناؤه لا يرضى بذلك ولا يحبه ، فكيف تتفق المحبة والرضا بما يسخطه الحبيب ويبغضه . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فعليك بهذا التفصيل في مسألة الرضا بالقضاء ، وأطال رحمه الله تعالى .

مطلب : في الشكر على النعمة . وقد علمت أن الرضا بالفقر مستحب ، وقيل واجب . وقد علمت مما تقدم أن الصبر واجب بلا خلاف ، وأرقى منه الرضا ، وأرقى منهما الشكر ، بأن ترى نفس الفقر مثلا نعمة من الله أنعم بها عليك ، وأن له عليك شكرها ، ولهذا المقام أشار الناظم رحمه الله تعالى بقوله ( واشكره ) أنت على ما أنعم عليك من الفراغ ، فإن ذلك نعمة منه سبحانه بشهادة { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ } . وتقدم أن الشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله وهذا معنى قول بعضهم هو أن لا يعصي الله بنعمه . والشكر إما على محبوب ، وهذا - كما قال صاحب منازل السائرين - شاركت فيه المسلمين اليهود والنصارى والمجوس ، ومن سعة بر الباري أنه عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب له المثوبة ، وأما في المكاره ، وهذا ممن يستوي عنده الحالات إظهارا للرضا وممن يميز بين الأحوال كظما للشكوى ورعاية للأدب وسلوك مسلك العلم ، وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة ، وأما من عبد استغرق في جمال الله تعالى فلا يشهد إلا المنعم ، فإذا شهد المنعم عبودة استعظم منه النعمة ، فإذا شهده حبا استحلى منه الشدة ، فإذا شهده تفريدا لم يشهد منه شدة ولا نعمة . وإلى مقام مشاهدته حبا واستحلاء الشدة منه أمرك الناظم بالشكر على تلك الشدة ؛ لأنها نعمة ، فإن فعلت ( تحمد ) بالجزم وحرك بالكسر للقافية على شكرك له سبحانه ، فإن شكر المنعم واجب ، والتحدث بالنعمة شكر ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، وباب الشكر واسع . ولله على العباد نعم لو أنفقوا جميع عمرهم في الطاعة من القيام والصيام والذكر ما أدوا شكر معشار عشرها ، فسبحان المنعم المتفضل على خلقه بنعمه .

مطلب : العز في القناعة والرضا بالكفاف : فما العز إلا في القناعة والرضا بأدنى كفاف حاصل والتزهد ( فما العز ) والرفعة ( إلا في القناعة ) بالفتح من قنع كتعب ، الرضا بالقسم ، وهو قنع وقنوع ويتعدى بالهمزة فيقال أقنعني ، وأما القنوع بالضم فهو السؤال ، والتذلل ، ويطلق على الرضا بالقسم من باب الأضداد وفعله كمنع . ومن دعائهم : نسأل الله القناعة ونعوذ به من القنوع . وفي المثل : " خير الغنى القنوع ، وشر الفقر الخضوع " . وروى الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : { جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس } . وفي صحيح مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه } . وفي الترمذي والحاكم وصححاه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { طوبى لمن هدي للإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع } . واعلم أن المراد بالكفاف ما كف عن سؤال . وروى البيهقي في الزهد عن جابر رضي الله عنه مرفوعا { القناعة كنز لا يفنى } . قال في النهاية : لأن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي . ومنه الحديث الآخر { عز من قنع وذل من طمع } لأن القانع لا يذله الطلب فلا يزال عزيزا . قلت : ذكر في التمييز حديث { القناعة ملك لا ينفد ، وكنز لا يفنى } وقال ضعيف ، وقال في القناعة أحاديث كثيرة ، انتهى . وأورده السيوطي في الجامع الصغير من حديث أنس بدون " وكنز لا يفنى " وعزاه للقضاعي ، زاد شارحه المناوي والديلمي ثم قال بإسناد واه ورأى ابن السماك رجلا سأل آخر حاجة فأبى عليه فقال : ابن السماك أيها الرجل عليك بالقناعة فإنها العز ، ثم أنشد : إني أرى من له قنوع يعدل من نال ما تمنى والرزق يأتي بلا عناء وربما فات من تعنى وفسر قوله تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } أن المراد بالحياة الطيبة القناعة . وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنها مال لا ينفذ ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر ، وعليك بالإياس مما في أيدي الناس فإنك لا تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه . فلهذه الآثار وأمثالها قال الناظم فما العز إلا في القناعة ( و ) هي ( الرضا بأدنى ) أي بأقل ( كفاف ) تقدم أنه ما يكفيك عن السؤال . وقال الحافظ المنذري : هو الذي ليس فيه فضل عن الكفاية . وروى أبو الشيخ بن حيان في كتاب الثواب عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل ما الكفاف من الرزق ؟ قال : شبع يوم وجوع يوم ( حاصل ) لك بأن كان عندك ما يكفيك أو يأتيك من غلة أو ضيعة ما يكفيك ويوما بيوم أو عاما بعام وما بينهما ، فإذا حصلت على ذلك لم يفتك شيء من أصول المعيشة ولا حاجة لك فيما ينافس فيه المترفون من فضول المعيشة ، فإنه - مع كونه مسئولا عنه يوم القيامة - هم حاضر ، وقطع أيام العمر فيما يئول إلى التراب ، وأنفاس العبد محسوبة عليه ، وهي جواهر ثمينة ، فلا ينبغي أن تنفق في التراب ، وإنما يحمل على هذا القناعة . إن القناعة من يحلل بساحتها لم يلق في ظلها هما يؤرقه وقال آخر : اقنع برزق يسير أنت نائله واحذر ولا تتعرض للإرادات فما صفا البحر إلا وهو منتقص ولا تكدر إلا بالزيادات وقال إبراهيم بن أدهم لشقيق : أخبرني عما أنت عليه : قال شقيق قلت : إن رزقت أكلت ، وإن منعت صبرت ، قال : هكذا تعمل كلاب بلخي . قلت فكيف تعمل أنت ؟ قال : إذا رزقت آثرت ، وإذا منعت شكرت ، فعد المنع عطاء يشكر عليه ، وهو كذلك . قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في صيد الخاطر : تفكرت في قول شيبان الراعي لسفيان : يا سفيان عد منع الله إياك عطاء منه لك ، فإنه لم يمنعك بخلا إنما منعك لطفا ، فرأيته كلام من قد عرف الحقائق فإن الإنسان قد يريد المستحسنات الفائقات فلا يقدر ، وعجزه أصلح له ؛ لأنه لو قدر عليهن تشتت قلبه ، إما لحفظهن أو بالكسب عليهن ، فإن قوي عشقه لهن ضاع عمره ، وانقلب هم الآخرة إلى الاهتمام بهن ، فإن لم يردنه فذاك الهلاك الأكبر ، وإن طلبن نفقة لم يطقها كان سبب ذهاب مروءته وهلاك عرضه ، وإن مات معشوق هلك هو أسفا ، فالذي يطلب الفائق يطلب سكينا لذبحه وما يعلم ، وكذلك إنفاذ قدر القوة فإنه نعمة . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا } وفي رواية { كفافا } ومتى كثر تشتت الهمم . فالعاقل من علم أن الدنيا لم تخلق للتنعيم فقنع بدفع الوقت في كل حال انتهى . وقال بعضهم : هي القناعة فالزمها تعش ملكا لو لم يكن منها إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها سوى بالقطن والكفن وذكر الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه عيون الحكايات قال العمري السقطي : رأيت البهلول وقد دلى رجله في قبر وهو يلعب بالتراب ، قلت أنت هاهنا ؟ قال : نعم عند قوم لا يؤذوني ، وإن غبت لا يغتابوني . قلت له إن السعر قد غلا . قال لو بلغت كل حبة بمثقال لا أبالي ، نعبده كما أمرنا ، ويرزقنا كما وعدنا . ثم أنشد يقول رحمه الله تعالى : أفنيت عمرك فيما لست تدركه ولا تنام عن اللذات عيناه يا من تمتع بالدنيا ولذتها يقول لله ماذا حين يلقاه أنبأني كل من مشايخي ، الشيخ عبد القادر التغلبي ، والشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد الرحمن المجلد عن الشيخ عبد الباقي الحنبلي الأثري قال أخبرنا شيخنا المقري عن أحمد القاضي عن عبد العزيز عن عمه تقي الدين بن فهد ؛ عن أبي إسحاق مسند الآفاق ، عن أبي النون يونس بن عبد القوي العسقلاني ، أخبرنا الحسن علي بن الحسين المقير البغدادي نا لاحق بن علي بن منصور بن كارة نا أبو علي نبهان نا الحيسوب دوما نا أبو بكر الدراع نا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق قال : سئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال : لو لم يكن فيها إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزي ، ثم أنشأ يقول : أفادتنا القناعة أي عز ولا عز أعز من القناعه فخذ منها لنفسك رأس مال وصير بعدها التقوى بضاعه تحز حالين تغنى عن بخيل وتسعد في الجنان بصبر ساعه ثم قال : مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء . ومن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - طيب الله ثراه ورضي عنه - : وجدت القناعة ثوب الغنى فصرت بأذيالها أمتسك فألبسني جاهها حلة يمر الزمان ولم تنتهك فصرت غنيا بلا درهم أمر عزيزا كأني ملك

مطلب : في الزهد . ولما كان من لازم القناعة الزهد ، وكان العز فيهما جميعا ، عطف الزهد عليها فقال : ( و ) في ( التزهد ) تفعل من زهد ضد رغب ، كأنه تكلف الزهد في الدنيا . وقد جاء في مدح الزهد أخبار وآثار عن النبي المختار ، والسلف والأخيار . فمنها ما رواه ابن ماجه وحسنه بعض المشايخ كالنووي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ، قال ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس } . وذكر ابن أبي الدنيا معضلا عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال { : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه ويحبني الناس عليه ، فقال : أما العمل الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا ، وأما العمل الذي يحبك الناس عليه فانبذ إليهم ما في يدك من الحطام } . ورواه بعضهم عن إبراهيم عن منصور عن ربعي بن خراش قال : جاء رجل فذكره مرسلا . وروى الطبراني بسند مقارب عن أبي هريرة مرفوعا { والزهد في الدنيا يريح القلب والجسد } . ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب جل وعلا . وكان فيما ناجاه به أنه قال يا موسى إنه لم يتصنع لي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ، ولم يتعبد لي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي . قال موسى يا رب البرية كلها ويا مالك يوم الدين ويا ذا الجلال والإكرام ماذا أعددت لهم وماذا جزيتهم ؟ قال أما الزهاد في الدنيا فإني أبحتهم جنتي ، يتبوءون منها حيث شاءوا . وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته وفتشته إلا الورعون فإني أستحييهم وأجلهم وأكرمهم وأدخلهم الجنة بغير حساب . وأما البكاءون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه } رواه الطبراني والأصبهاني وأورده الحافظ المنذري بصيغة التمريض . وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه مرفوعا { ما تزين الأبرار في الدنيا بمثل الزهد في الدنيا } رواه أبو يعلى وهو حديث ضعيف . ومثله ما رواه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما مرفوعا { إذا رأيتم من يزهد في الدنيا فادنوا منه ، فإنه يلقي الحكمة } . والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا ، وفيما ذكرناه كفاية .
ثم ذكر بعض مزايا القناعة عودا على بدء فقال : مطلب : من لم يقنعه الكفاف لا سبيل إلى رضاه : فمن لم يقنعه الكفاف فما إلى رضاه سبيل فاقتنع وتقصد ( فمن ) أي فالإنسان الذي ( لم يقنعه ) ويكفه ( الكفاف ) وهو الذي لم يزد عن قدر الحاجة وكف عن المسألة . وفي حديث عمر رضي الله عنه : وددت أني سلمت من الخلافة كفافا لا علي ولا لي . قال في النهاية : الكفاف هو الذي لا يفضل من الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه ، انتهى . وفي شعر مجنون ليلى قيس بن الملوح : وددت على حب الحياة لو أنه يزاد لها في عمرها من حياتيا على أنني راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا علي ولا ليا وفي بعض الدواوين : فليتكم لم تعرفوني وليتني خلصت كفافا لا علي ولا ليا وفيه الشاهد ، فإذا الإنسان لم يقنع بقدر حاجته من الدنيا ( فما ) نافية حجازية ( إلى رضاه ) متعلق بمحذوف خبرها مقدم و ( سبيل ) اسمها مؤخر والجملة محلها الجزم جواب من . والمعنى ليس طريق ولا سبب ينتهي إلى رضا هذا الشره ، لأن طالب الدنيا كشارب ماء البحر ، فكلما ازداد شربا ازداد عطشا وظمأ فلا يتصور رضاه بطريق ما . وفي الحديث { لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب } متفق عليه . ورواه الإمام أحمد والشيخان أيضا عن حديث أنس وابن عباس رضي الله عنهم بلفظ { لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا ، ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب } وظاهر صنيع السيوطي أنه متواتر والله الموفق . وفي رواية عند الإمام أحمد وابن حبان عن جابر رضي الله عنه { لو كان لابن آدم واد من نخل لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب } ورواه البخاري أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( فاقتنع ) افتعل مثل اكتسب واحتصد واغترب ، أي اطلب القناعة واعتمد عليها . ( وتقصد ) معطوف على اقتنع ، والقصد مثل التزهد مشتق من القصد وهو استقامة الطريق والاعتماد وضد الإفراط وهو المراد هنا كالاقتصاد ، ورجل ليس بالجسيم ولا بالضئيل كالمقصد . وفي صفته صلى الله عليه وسلم كان أبيض مقصدا ، وهو الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم كأن خلقه نحى به القصد من الأمور . والمعتدل الذي لا يميل إلى حد طرفي التفريط والإفراط .

مطلب : في الاقتصاد في الأمور . وفي الحديث الشريف { ما عال مقتصد ولا يعيل } أي ما افتقر من لا يسرف في الإنفاق ولا يقتر قلت : والحديث رواه الإمام أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ { ما عال من اقتصد } . وفي مسند الإمام أحمد بسند رواته ثقات عن أبي عسيب رضي الله عنه قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي فدعاني فخرجت إليه ، ثم مر بأبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه ، ثم مر بعمر رحمه الله فدعاه فخرج إليه ، فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط أطعمنا ، فجاء بعذق فوضعه فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم دعا بماء بارد فشرب فقال لتسألن عن هذا يوم القيامة . فأخذ عمر رحمه الله تعالى العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا رسول الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال نعم إلا من ثلاث : خرقة كف بها عورته ، أو كسرة سد بها جوعته ، أو جحر يتدخل فيه من الحر والقر } . وروى الحاكم والترمذي وصححاه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال : بيت يكنه ، وثوب يواري عورته ، وجلف الخبز والماء } الجلف بكسر الجيم وسكون اللام بعدهما فاء هو غليظ الخبز وخشنه . وقال النضر بن شميل : هو الخبز ليس معه أدم ولا معنى لكثرة الإيراد من هذا الباب ، مع اشتهاره عند ذوي الألباب . ولا شك أن الاقتصاد محمود ، وعمل فاعله مقبول غير مردود . فاقتصد في كل شيء تحظ بالعقبى وتحفظ لا تكن حلوا فتؤكل لا ولا مرا فتلفظ واغتنم ذا العمر واعلم أنه كالدر ملحظ فإذا فرط فيه المرء لم يحمد ويكعظ نح على عمر تقضى ومضى لهوا يلاحظ ساعة منه تساوي قيمة الدنيا وتدحض أين من يبصر قولي كيف والناظم أجحظ رب خلصني لعلي من قيود النفس أنهض

مطلب : الغنى الحقيقي غنى النفس : فمن يتغنى يغنه الله والغنى غنى النفس لا عن كثرة المتعدد ( فما ) أي أي إنسان ( يتغنى ) أو كل إنسان يتغنى أي يظهر من نفسه الغنى والعفاف وإن لم يكن غنيا بالمال ( يغنه الله ) سبحانه وتعالى مجزوم في جواب من والألف في يتغنى للإشباع بعد حذف الألف . يقال تغنيت وتغانيت واستغنيت أي به عن غيره . ثم قال الناظم رحمه الله تعالى ( والغنى ) الحقيقي ( غنى النفس ) بالعفاف والقناعة والاقتصاد وعدم الانهماك في لذات الدنيا ( لا عن كثرة ) المال ( المتعدد ) فإنه لا يورث غنى بل يورث مزيد الشره والانهماك ، فكلما نال عنه شيئا طلب شيئا آخر ، ولا يزال كذلك حتى يهلك . وقد روى النسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت نعم يا رسول الله ، قال فترى قلة المال هو الفقر ؟ قلت نعم يا رسول الله ، قال إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب ، ثم سألني عن رجل من قريش فقال هل تعرف فلانا ؟ قلت نعم يا رسول الله قال فكيف تراه أو تراه ؟ قلت إذا سأل أعطي ، وإذا حضر أدخل ، قال ثم سألني عن رجل من أهل الصفة فقال هل تعرف فلانا ؟ فقلت لا والله ما أعرفه يا رسول الله فما زال يحليه وينعته حتى عرفته ، فقلت قد عرفته يا رسول الله ، قال فكيف تراه أو تراه ؟ قلت هو رجل مسكين من أهل الصفة ، قال هو خير من طلاع الأرض من الآخر ، قلت يا رسول الله أفلا يعطى بعض ما يعطى الآخر ؟ فقال إذا أعطي خيرا فهو أهله ، وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة } . وفي مسند الإمام أحمد بأسانيد صحيحة وصحيح ابن حبان عن أبي ذر أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { انظر أرفع رجل في المسجد ؟ قال فنظرت فإذا رجل عليه حلة ، قلت هذا ، قال : قال لي انظر أوضع رجل في المسجد ؟ قال فنظرت فإذا رجل عليه أخلاق ، قال قلت هذا . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا عند الله خير يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا } . وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله } . وفي البخاري ومسلم أيضا وموطأ مالك وأبي داود والترمذي وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه { من يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبر يصبره الله ، وما أعطى الله أحدا عطاء هو خير وأوسع من الصبر } . وفي الصحيحين وأبي داود وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس } . العرض بفتح العين المهملة والراء هو ما يقتنى من المال وغيره . وما أحسن قول الإمام الشافعي رضي الله عنه : خبرت بني الدنيا فلم أر منهم سوى خادع والخبث حشو إهابه فجردت عن غمد القناعة صارما قطعت رجائي منهم بذبابه فلا ذا يراني واقفا بطريقه ولا ذا يراني قاعدا عند بابه غني بلا مال عن الناس كلهم وليس الغنى إلا عن الشيء لا به وقال غيره وأحسن : إذا أعطشتك أكف اللئام كفتك القناعة شبعا وريا فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا وقال آخر وأحسن : ومن يطلب الأعلى من العيش لم يزل حزينا على الدنيا رهين غبونها إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تكن على حالة إلا رضيت بدونها وقال هارون بن جعفر : بوعدت همتي وقورب مالي ففعالي مقصر عن مقالي ما اكتسى الناس مثل ثوب اقتناع وهو من بين ما اكتسوا سربالي ولقد تعلم الحوادث أني ذو اصطبار على صروف الليالي وقال : مؤيد الدين فخر الكتاب إسماعيل بن علي بن محمد بن عبد الصمد الأصفهاني المعروف بالطغراوي بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وفتح الراء نسبة إلى من يكتب ( الطغرا ) - وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ تتضمن نعوت الملك وألقابه - في قصيدته اللامية المشهورة بلامية العجم : يا واردا سؤر عيش صفوه كدر أنفقت عمرك في أيامك الأول فيما اعتراضك لج البحر تركبه وأنت تكفيك منه مصة الوشل ملك القناعة لا يخشى عليه ولا يحتاج فيه إلى الأنصار والخول ومعنى البيت أن القناعة صاحبها ملك ؛ لأنه في غنى عن الناس ، وفيه مزية على ملك ما سواها من أمور الدنيا ، وهي أنها غير محتاجة إلى خدم ولا أنصار وعساكر يحفظونها . ولا يخشى عليها من زوال ولا اغتصاب ، بخلاف ملوك الدنيا فإنهم يحتاجون إلى الخول والأنصار للخدمة ، والاحتراز على نفوسهم من الأعداء ثم هم مع ذلك في هم وفكرة في تحصيل الأموال وتدبير الرعايا ، وفي خوف من زوال الملك ، إما بغلبة العدو ، وإما بخروج أحد من الرعايا عن الطاعة . وإما بوثوب أحد من حشمهم وخدمهم وأقاربهم عليهم وإطعامهم السم إلى غير ذلك وملك القناعة سالم من جميع هذه الآفات وكل أمر لا يحتاج فيه إلى تعب وكلفة خير مما يحتاج إلى ذلك . والله تعالى أعلم .

مطلب : هل الأفضل الفقير الصابر أو الغني الشاكر ؟ ( تنبيهات ) : ( الأول ) : اختلف العلماء رضي الله عنهم من أفضل ؟ الفقير الصابر أو الغني الشاكر ؟ ذهب قوم إلى تفضيل الغني ؛ لأن الغنى مقدرة والفقر عجز والقدرة أفضل من العجز . قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة . قلت وهو ظاهر اختيار الإمام الحافظ ابن الجوزي . قال في تبصرته : واعلم أن الغني إذا لم يشتغل بالغنى عن الله تعالى ، وكان ماله وقفا على مساعدة الفقراء وأعمال الخير كان أفضل من الفقير ، فإن غاية الفقير أن يكون متقيا لله تعالى ، فله ثواب صبره عن أغراضه ، ولا يتعدى فعله إلى النفع للغير ، ولكن لما كان الغالب في الغني أن يشتغل بماله عن الله تعالى ، ويمسكه عن الإنفاق ، وربما لم يتورع في كسبه ، وربما أطلق نفسه في شهواتها القاطعة عن الله تعالى فضل الفقير المحق عليه فإن همه أجمع . وذهب آخرون إلى تفضيل الفقير ؛ لأنه تارك والغني ملابس ، وترك الدنيا أفضل من ملابستها . قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة . قلت : والسلامة لا يعادلها شيء . قال الإمام الوزير بن هبيرة : لو لم يكن في الفقر إلا أنه باب الرضا عن الله ، ولو لم يكن في الغنى ألا أنه باب التسخط على الله ؛ لأن الإنسان إذا رأى الفقير رضي عن الله في تقديره ، وإذا رأى الغني سخط بما هو عليه ، لكان ذلك كافيا في فضل الفقير على الغني ، انتهى . وذهب آخرون إلى تفضيل المتوسط بين الأمرين بأن يخرج من حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين . قال الماوردي : وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال ، وأن خيار الأمور أوساطها ، انتهى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية روح الله روحه : الصواب في ذلك قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة ، انتهى . أقول : من تأمل السيرة النبوية وكون نبينا صلى الله عليه وسلم كان كثير الجوع ، بعيد الشبع ، يشد الحجر على بطنه ، وتوفي ودرعه مرهونة ، ورأى إعراضه عن الدنيا وزينتها والانهماك في لذاتها ، ونفض يديه من شهواتها ، وأن ذلك عن اختيار لا اضطرار ، علم وتحقق أن التقلل من الدنيا وزينتها أفضل وأكمل ، وأنا أتعجب من تفضيل الغني - وإن كان شاكرا - على الفقير الصابر ، وقد علمت أن الفقير يسلم من شدة الحساب . ويسبق الغني إلى الجنة بخمسمائة عام . وهل يختار الله لرسوله إلا أكمل الحالات . وهل يختار الرسول لنفسه إلا أفضل المقامات .

وقد أفردت لهذه المسألة رسالة أتيت فيها بأكثر أحاديث مدح الفقر والفقراء ، والإعراض عن الدنيا والتقلل منها والله الموفق . مطلب : في ذكر الأخبار والآثار التي وردت في ذم الدنيا . ( الثاني ) : قد ترادفت الأخبار ، وتواترت الآثار ، بذم الدنيا وزينتها ومدح التقلل منها والإعراض عنها ، والزهد فيها وفي لذاتها . قال تعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب . قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد } . وقال تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } الآية . وقال تعالى { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } . وقال { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } . وقال { بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى } . وقال { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } . إلى غير ذلك من الآيات . والمتاع هو ما يتمتع به صاحبه برهة ثم ينقطع ويضمحل ويفنى . فما عيبت الدنيا بأبلغ من فنائها ، وتقلب أحوالها . وهو أدل دليل على نقصانها وزوالها . فتتبدل صحتها بالسقم ، ووجودها بالعدم ، وشبيبتها بالهرم ، ونعيمها بالبؤس ؛ وحياتها بالموت ، فتفارق الأجسام النفوس ، وعمارتها بالخراب ، واجتماعها بفرقة الأحباب . وكل ما فوق التراب تراب . كان الإمام أحمد رضي الله عنه يقول : يا دار تخربين ويموت سكانك . وفي الحديث { عجبا لمن رأى الدنيا وسرعة تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها } مع قوله صلى الله عليه وسلم { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } وتقدم بتمامه . وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ { اعبد الله كأنك تراه ، واعدد نفسك في الموتى ، واذكر الله عند كل حجر وكل شجر ، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة ، السر بالسر ، والعلانية بالعلانية } رواه الطبراني بإسناد جيد . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : { خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، فقال هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به ، وهذا الذي هو خارج أمله . وهذه الخطط الصغار الأعراض . فإن أخطأه هذا نهشه هذا . وإن أخطأه هذا نهشه هذا } رواه البخاري والنسائي وابن ماجه . وهذه صورة ما خط النبي صلى الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
Admin
المدير


عدد المساهمات : 2380
تاريخ التسجيل : 26/05/2010

الحث على الرضى والقناعة وأثرهما  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحث على الرضى والقناعة وأثرهما    الحث على الرضى والقناعة وأثرهما  Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 14, 2011 11:07 pm

[center]جزاكم الله خيـــراً ونفع الله بكم



اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه



29[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nsaemelrahmah.own0.com
 
الحث على الرضى والقناعة وأثرهما
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي نسائم الرحمه :: القران الكريم :: الاسلام عقيدة وعمل-
انتقل الى: