أختي الحبيبة، إن لم تنفعِي الدعوة.. فعلى الأقل لا تضرّيها..
.. أوساط الملتزمين.. إذا أبحرنا داخلها وجدنا فيها وجوه شتّى، فمنهم جديدٌ على الطريق، ومنهم ثابتٌ ماضٍ في الطريق، ومنهم أصابه الفتور، ومنهم منتكس والعياذ بالله!!
انماط مختلفة، كما هو حال أي مجتمع في الوجود، ولو شاء الله لهدى الناس أجميعن وجعلهم أمّة واحدة، قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ} [يونس:99]
ولو شاء الله لجعلهم على درجة واحدة من الإيمان، ولكن الإيمان ينقص ويزيد، قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [ الفتح:4].
وبما أن بوسط الملتزمين هذه التشكيلة من الأفراد، فهناك من قد يضرّ بالدعوة بسلوكيات بقريبٍ أو ببعيدٍ، بقصدٍ أو بدون قصدٍ!! فيا أختي الحبيبة، إن لم تنفعِ الدعوة بشيءٍ، فرجاءًا على الأقل لا تضرّيها.. ومن أمثلة هذه السلوكيات ما يلي:
الفظاظة في الدعوة والنصح:قد نجد من بعض الدعاة أو الناصحين شدّة في دعوة أو نصح الآخرين إلى درجة قد تصل إلى حد الفظاظة والتنفير من دين الله، وهذا السلوك غير ما أمرنا الله به، فحين أمر الله سبحانه نبيّه موسى وأخاه هارون أن يذهبا إلى فرعون الطاغية ويدعياه، قال لهما {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه:44]،
وأمر الدعوة أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]،
وحث النبي صلوات ربي وسلامه عليه على الرفق واللين في كل شيء فقال "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، و لا نزع من شيء إلا شانه"
الراوي: عائشة و أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5654 خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالشدّة والفظاظة سلوكا ينُم عن قلّة الخبرة بحال الدعوة والمدعوين، ويسيء بشكل أو بآخر بالدعوة إلى الله..
الدعوة بجهل والفتوى بغير علم:تتفاوت درجات المعرفة والعلم لدى البشر أجمعين، ومنهم الملتزمين بالطبع، فنجد الداعية، وطالب العلم، ونجد المطلّع القارئ، ونجد من لا يبذل أي جهد ليتعلّم ويتفقّه في دينه، ومن بعض هذه الفئات خاصة الأخيرة منهم، قد تخرج نصائح أو دعوات خاطئة تفتقر إلى الأدلة الصحيحة بسبب الجهل بالأمور العقدية والفقهيّة البسيطة التي لا يستوي أمر المسلم إلا بها.. وديننا يحثّنا على تعلّم الأمور التي لا يستوي أمر المسلم إلا بها لأنها حجة عليه أمام ربّه، فقد قال صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم"
الراوي: أنس بن مالك و الحسين بن علي و ابن عباس و عبدالله بن عمر و ابن مسعود و علي بن أبي طالب و أبي بن كعب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3913 خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلب الزيادة لا في شيءٍ إلا العلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } [طه:114]،
كما وقد أمر الله تعالى أن تكون الدعوة إليه على بصيرة، أي بعلم {قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]..
ومن جَهَل بأمر قضية ما وقال لا أعلم، فلا ينقص ذلك من قدره شيئا، والأمثلة كثيرة من السلف الصالح الذين إن سئلوا عن أمور لا يعلموها أجابوا بـ" لا أعلم" خيرا من أن يتحمّلوا وزر فتوى بجهل تضرّ بالسائل والمسؤول إلى يوم الدين..
مخالفة الأمر المدعو إليه: وهو إمّا بفعل أمر ينهى الناس عنه، أو بترك أمر يدعو الناس إليه، استحلالا للأمر وليس ضعفا بشريا، فمن طبيعة البشر الزلّات والضعف {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } [النساء:28]
فيمرّ بفترت فتور أو غلبة الشيطان عليه، أمّا من يستحل أن يأمر الناس بشيء ويتركه أو ينهى عن شيء ويفعله فهذا من شيم المنافقين واليهود، قال تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]،
وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3]
القدوة السيئة:كلنا بشر ولكنا لنا مميزات وعيوب، ولكن كون الإنسان ملتزما بشرع ربه وداعية لدين الله، يجعل النظرات إليه مختلفة، فيُوضع تحت المجهر، وينتظر منه الجميع التزاما كاملا بأخلاق النبوة والقرآن الكريم، فهي المسؤولية التي تُلقى على كاهله، أن يكون خير قدوة لدين الله، فأي سلوك يصدر من الداعية إما أن يُنسب مباشرة إلى دين الله، أو أن يُنتقد بأنه ليس التزاما كاملا بشرع الله كما يُنتظر منه فيخيب الأمل فيه، ويضيع أثر الكلمة وتأثيرها على المدعوين، ويُقال هو أحق أن يُنصح، وما إلى ذلك من كلمات تخرج خاصة من المتربصين بالإسلام ومِن مَن مصلحتهم تشويه كل رمز من رموز الدعوة والدين، فهنا جهاد النفس وتقويمها متلازما مع جهاد الكلم، ولذلك كان رسولنا الكريم، إمام الدعاة، خير أسوة في الأخلاق السامية، وكان دائم الحث على حسن الخلق ومرتبة ذلك من الدين، فقال صلى الله عليه وسلم "أخبركم بأحبكم إلي ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؟ فسكت القوم فأعادها مرتين أو ثلاثا ، قال القوم : نعم يا رسول الله ! قال : أحسنكم خلقا"
الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 206 خلاصة حكم المحدث: صحيح
التعصّب إلى الرأي: ومن مظاهر الإضرار بالدعوة، التعصّب إلى الرأي ولو خطأ أو إن كان هناك رأيا أصوب منه لما لديه من أدلة قوية وصحيحة، وذلك خاصة في الأمور العقدية أو الفقهيّة الدقيقة التي لا مجال لاختلاف الآراء فيها، ففي ذلك تعنّت وتعصّب للباطل حتى لو اقامت عليه الحجّة بعرض الرأي الصحيح، كما أنها سيئة جارية لهذا الشخص إن اتّبعه آخرون، وهي دعوة للإنشقاق فضلا عن إثارة الشبهات وأمور قد تصل إلى حد الخروج عن آداب الخلاف..
التعصّب إلى العلماء وذمّ آخرين: قد يتأثّر البعض بعالم ما دون غيره، الأمر الذي قد يصل إلى حد الإنحياز والتجريح وذم العلماء الآخرين في محاولة لإبراز هذا العالم، ناسين ما في ذلك من غيبة ونميمة و سوء عاقبتهما، وأن لحوم العلماء مسمومة وقد تعهد الله بالحرب لمعادين أولياءه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب"
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6502 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وما في ذلك من خلق البغضاء والشحناء والعداوة بين الناس،قد تصل إلى العلماء أنفسهم!! وكل ذلك بغير وجه حق، وهو من أسباب الفرقة، وقد نهانا الله عن الفرقة {وَاعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]
لحظة من فضلك أخيتي.. لا تتركِ الدعوة!!أختي الحبيبة، هذه ليست دعوة إلى تصعيب الأمر والتنفير من الدعوة، بل هي دعوة إلى إصلاح النفس ومجاهدتها وتقويمها والجهاد في طلب العلم قدر المستطاع، فنحن قومٌ اختارنا الله أن نحمل همّ الدعوة، ولذلك كانت الخيرة لنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ} [آل عمران:110]
وما كان طريق الدعوة أبدا غضا مفروشا بالورود، لا اليوم ولا أي زمان، بل هو طريق الصعاب لأنه طريق الحق، فيستلزم صبرا وجهادا، لأن عوائقه كثيرة، ولكن عواقبه بإذن الله عظيمة، وأعظم أمثله رسل ربنا جميعا الذين أوذوا في سبيل توصيل كلمة التوحيد وشرائع رب العالمين، ما بالنا نفتُر ونتأفف لأبسط الأمور، ونستسهل ونترك الدعوة لأتفه الأسباب، في حين نرى الداعين إلى أمور دنيوية أو إلى الباطل صابرين على الباطل وينحتون في الصخر، أليس الأجدر بنا ونحن على الحق أن نصبر قليلا في الدنيا لإعلاء كلمة الحق وإيصال كلمة الله ورسوله؟! ولكن للتذكير
أختي الحبيبة، إن لم تنفعِي الدعوة.. فعلى الأقل لا تضرّيها..
والله الموفّق