أسرار الحروف المقطعة فى بدايات السور القرآنية
إخوانى وأخواتى : هذا الموضوع هو تلخيص من واقع حضورى لمحاضرات الأستاذ الدكتور حسين عبد الحميد البر ..أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر ..وهو بخصوص الاحرف المقطعة فى بدايات سور القرآن الكريم .
افتتحت تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم بحروف مفردة تسمى الحروف المتقطعة فى فواتح السور , وسميت بذلك لأنها تقرأ مفردة كل حرف باسمه وقد جمعها السابقون فى جملة " نص حكيم قاطع له سر " ..وقد وردت هذه الأحرف على عدة صور :
الاولى : مايبدأ فيها بحرف واحد وهى "ص" و " ق" و "ن"
الثانية : مايبدأ فيها بحرفين وهى " طه" و النمل " طس " و "يس"و " حم" الجاثية و الزخرف والدخان وفصلت و غافر والأحقاف .
الثالثة: مايبدأ فيها بثلاثة أحرف , حيث بدأت البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان ب " الم" , فى حين بدأت سورة يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر بـ" الر".
الرابعة: مايبدأ فيها بأربعة أحرف وهى الأعراف المبدوءة بــ" المص" والرعد المبدوءة بــ" المر".
الخامسة: مايبدأ فيها بخمسة أحرف وهى مريم المبدوءة ب" كهيعص" والشورى المبدوءة ب "حم . عسق"
مذهب العلماء فى الحروف المتقطعة :
تضاربت أقوال العلماء والمفسرين فى بيان معنى هذه الأحرف وتشعبت إلى أقوال كثيرة يمكن جمعها تحت رأيين:
الرأى الأول : ان هذه الاحرف من جملة ما استاثر الله تعالى بعمه فى القرآن الكريم بحيث لا يعلم معناها إلا الله ولا يدرك تأوبلها إلا هو جل جلاله ..فهى سر الله فى القرآن و على هذا الراى اجتمع قول الصحابة والتابعين وعامة السلف وغالب أهل التفسير .
قال الرازى : " هذا علم مستور وسر محجوب استأثر الله تبارك وتعالى به"..وقال ابو الصديق رضى الله عنه " لله فى كل كتاب سر وسره ف القرآن أوائل السور " وقال على رضى الله عنه :" إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجى "
وقال القرطبى : عن الربيع بن خيثم قال: إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ماشاء, وأطلعكم على ماشاء .فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه وتخبرون به , ومابكل القرآن تعلمون , ولا بكل ماتعلمون تعلمون "
وقد استدل أصحاب هذا الرأى بما يلى :
قوله تعالى: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ومايعلم تاويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ومايذكر إلا أولو الألباب " آل عمران 7
الرأى الثانى: أن هذه الأحرف من جملة ما انزله الله وخاطبنا به فى القرآن الكريم , وأن لها معانِ يجب ان نتدبرها ونعرف معناها والمراد بها وقال بهذا الرأى عامة اهل الكلام وبعض المفسرين من أصحاب الرأى واستدلوا على رأيهم هذا بما يلى :
قوله تعالى: " كتاب أنزلنه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب "ص 29 وقال تعالى : " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "محمد 24 وقال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً "النساء 82 إذن فقد أمر اله تعالى بتدبر القرآن وعاب على من لم يتدبر بأن قلوبهم مغلقة ..
وأصحاب هذا الرأى أيضاً يستدلون على رأيهم بأن الله تعالى أمرنا عند الإختلاف أن نرجع إلى أولى العلم الذين يستنبطون ويقفون على حقيقة الكلام , وهذا يدل على أن هناك من العلماء مايفقه المعنى من هذه الحروف ويستنبطه والإستنباط منه لا يمكن إلا مع الإحاطة بمعناه ..قال تعالى : " وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " النساء 83
ورغم الأدلة التى ساقها أصحاب هذا الرأى إلا أن إختلافهم فى بيان معانى ومدلولات هذه الأحرف يدل عل تضاربهم فى القول وأن أحداً منهم لم يأتِ بمعنى تستريح له النفس ولا يسلم من الرد والتضعيف .. ولهم فى هذا الموضوع أكثر من عشرين قولا أورد لكم أشهرها :
القول الأول: إن هذه الأحرف أسماء لله تعالى :
فمنهم من رأى أنها أحرف مقتضبة من أسماء وصفات لله تعالى المفتتحة بحروف مماثلة لهذه الحروف المقطعة ..رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس حيث قال فى
"الم" : الألف إشارة إلى أنه تعال أحد أول آخر أزلى أبدى , واللام إشارة إلى أنه لطيف, والميم إشارة إلى أنه ملك مجيد منان ....وقال فى " كهيعص" : إنه ثناء من الله تعالى على نفسه والكاف يدل على كونه كافياً والهاء يدل على كونه هادياً والعين يدل على العالم والصاد يدل على الصادق ..
ومهم من ذهب إلى أن بعضها يدل على أسماء الذات وبعضها يدل على أسماء الصفات ..قال ابن عباس فى " الم " :" أنا الله أعلم " وفى " الر" أنا الله أرى ..فه على ذلك رموز , يرمز كل حرف منها إلى كلمة .
ودلل اصحاب هذا الوجه بأن العرب قد تتكلم بالحروف المقطعة بدلا من كلمات تتألف من تلك الحروف نظماً ونثراً, ومن ذلك قول زهير :
بالخير خيرات وإن شرُّ فا***** ولا أريد الشر إلا أن تا
أردا القول : إن شر فشر ..وأراد القول: إلى أن تشا
فأت بحرف من كل جملة
ومنهم من ذهب إلى أن كل حرف منها يدل على صفة من صفات الأفعال ..فالألف آلاؤه واللام لطفه والميم مجده قال محمد بن كعب القرضى والربيع بن أنس : مامنها حرف إلا فى ذكر لائه ونعمائه .
ومهم من يرى أنها رموز لأسناء الله تعالى والرسول عليه السلام والملائكة فـــ"الم" مثلا الألف من الله تعالى , واللام من جبريل , والميم من محمد عليه السلام ,قاله الضحاك أى أنزل الله الكتاب على لسان جبريل إلى محمد عليه السلام .
وقال بعض الصوفية : الألف معناه أنا , والام معناه لى , والميم معناه منى ..
وغير ذلك كثير .
القول الثانى: إن هذه الأحرف كلها أسماء للقرآن الكريم
كالفرقان والذكر , وهو قول الكلبى وقتادة
القول الثالث: إنها أسماء لسور القرآن الكريم .
وهذا القول منسوب لجماعة من العلماء والمتكلمين ونُسب لسىيبويه فى كتابه باب أسماء السور من أبواب الممنوع من الصرف ..ويعضد هذا القول وقوع هذه الحروف فى أوائل السور فتكون قد جُعِلت أسماء بالعلامة عل هذه السور ..وكانت هذه عاده العرب ..حيث سموا الأشياء بالحروف ..فسموا" الذهب " عين و" السحاب" غين , و " الحوت" نون و" الجبل " ق..وهكذا
وقد ذكر النبى عليه السلام الحروف المقطعة فى الإشارة إل السور ..بما يفهم منها أنها إشارة لتلك السور .حيث قال عليه السلام فيما روى عن ابن عباس :
" من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة قرأ فى الركعتين الأوليين (قل يا أيها الكافرون) و( قل هو الله أحد ) وقرأ ف الركعتين الأخريين : ( تبارك الذى بيده الملك ) و( الم تنزيل )السجدة كتب له كأربع ركعات من ليلة القدر ".
وهذا الكلام وإن كان يبدو صحيحاً إلا أن اعتبار الحروف المقطعة أسماء للسور ليس بصحيح لان ذلك قد ورد فى سور قلائل ولم يرد ف معظم سور القرآن المفتتحة بهذه الاحرف .
نأتى لنقطة هامة جداً وهى:
الحكمة من وجود هذه الأحرف فى فواتح السور:
يمكن تجميع ماتوصل إليه العلماء فيما يلى :
الحكمة الاولى : إثبات صدق النبى عليه السلام
ذلك أن النبى عليه السلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب قال تعال: " الذين يتبعون النبى الأمى " الأعراف 157
والمشركون يعرفون ذلك لانه تربى بينهم وعاش بينهم ولم يعهدوا إليه انه جلس إلى معلم أو تعلم ..ومن كان بهذه الصفة بالتالى لايعرف النطق بأسماء الأحرف لأنها مسألة لاتتم إلا بالتعلم ..فالأمى ينطق الكلام كعادة البشر لكنه لا يعرف أن يقول هذا ألف وهذا باء وهذا ميم وهذا صاد وغير ذلك فلا هو يقرأ ولا هو يتهجى فإذا جاء هذا الأمى وتلا ألف لام ميم تبين للسامع أن هذا الكلام ليس من عنده , فإذا قال لنا أنه من عند الله صدقناه لأنه لم يكن اهلا للنطق قبل ذلك لكونه امياًلا يقرأ ولا يكتب .
الحكمة الثانية: لفت انتباه المشركين إل القرآن الكريم
النفس بفطرتها تلتفت إلى كل مالم تألف عليه ,من أجل هذا أنزل الله تعالى هذه الفواتح فى بعض السور لأنها جاءت على غير ماألفه المشركون وما اعتادوه من المنطق ..فيقرع الله أسماعهم بهذه الأحرف فتأخد بمسامعهم فإذا ما التفتوا فاجأهم بالحديث عن القرآن بكل ما أراد الله أن يعرفوه ..ويؤكد هذا أن جميع السور التى افتتحت بهذه الأحرف جاء الحديث عن القرآن الكريم بعدها مباشرة
قال تعالى فى افتتاح سورة البقرة: " الم (1) ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين "
وفى آل عمران:" الم (1) الله لا اله إلا هو الحى القيوم (2)نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل "
وف يونس :" الر تلك آيات الكتاب الحكيم "
وفى هود:"الر كتاب أحكمت ياته من لدن ثم فصلت من لدن حكيم خبير"
وفى يوسف:"الر تلك آيات الكتاب المبين "
الحكمة الثالثة: أنها نزلت للتحدى والإعجاز
وذلك أن الرسول عليه السلام لما تحداهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سور أو بسورة واحدة فعجزوا عنه أنزلت هذه الحروف تنبيهاً على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها وعارفون بقوانين الفصاحة فكان يجب أن تأتوا بمثل هذا القرآن فلما عجزتم عنه دلّ ذلك على أنه من عند الله لا من البشر .
وصدق الله تعالى إذ يقول: "قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا " الكهف 109
أرجو أن أكون قد قدمت مفيداً.