الفتح الأكبر (( فتح مكة ))
فتح مكة
بعد صلح الحديبية انضمت قبيلة بكر لقريش ، وانضمت قبيلة خزاعة لحلف المسلمين .
... ...
وكان بين بني بكرٍ وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء ، وذات يومٍ
تعرضت قبيلة خزاعة لعدوانٍ من قبيلة بكر الموالية لقريش ، وقتلوا منهم نحو
عشرين رجلاً . ودخلت خزاعة الحرم للنجاة بنفسها ، ولكن بني بكرٍ لاحقوهم
وقتلوا منهم في الحرم . فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول صلى الله عليه
وسلم يخبرهم بعدوان قبيلة بكرٍ عليهم ، وأنشد الرسول صلى الله عليه وسلم
شعراً :
يا رب إني نـاشد محمداً حلف أبـينا وأبيه الأتلدا
إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مدداً
فقال له رسول الله عليه وسلم : " نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم
مما أمنع نفسي منه " . ودعا الله قائلاً " اللهم خذ العيون والأخبار عن
قريش حتى نبغتها في بلادها ".
وندمت قريش على مساعدتها لبني بكرٍ ،
ونقضها للعهد ، فأرسلت أبا سفيانٍ إلى المدينة ليصلح ما فسد من العهد ،
ولكنه عاد خائباً إلى مكة .
وأخذ رسول الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج إلى مكة . فحضرت جموعٌ كبيرة من القبائل .
ولكن حدث شيءٌ لم يكن متوقعاً من صحابي . وهو أن الصحابي حاطب بن أبي
بلتعة كتب كتاباً بعث به إلى قريشٍ مع امرأة ، يخبرهم بما عزم عليه رسول
الله عليه وسلم ، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ .
فإذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب ، فبعث الرسول صلى
الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة . وتم
القبض عليها قبل أن تبلغ مكة ، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها .
فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك
ارتداداً عن دينه ، ولكنه خاف إن فشل رسول الله عليه وسلم على أهله والذين
يعيشون في مكة .
فقال عمر : " يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق " . فقال رسول الله عليه وسلم:
" إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر . فعفا عنه ،
وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله عليه وسلم إلى مكة في منتصف رمضان من
السنة الثامنة للهجرة . وبلغ عددهم نحو عشرة آلاف مقاتل . ووصلوا " مر
الظهران " قريباً من مكة ، فنصبوا خيامهم ، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار .
فأضاء الوادي .
وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان .
فأخذه العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له الرسول عليه
الصلاة والسلام : " ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك
أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ " .
فقال العباس : " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ "
فقال : " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .
وبعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام . وقال العباس : " إن أبا
سفيانٍ يحب الفخر فاجعل له شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من
دخل دار أبي سفيانٍ فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن "
.
وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يري أبا سفيانٍ قوة
المسلمين ، فحبسه عند مضيق الجبل . ومرت القبائل على راياتها ، ثم مر رسول
الله صلى عليه وسلم في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان : ما لأحدٍ بهؤلاء
من قبل ولا طاقة .
ثم رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة ، ونادى
بأعلى صوته : " يا معشر قريش ، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .
فمن دخل داري فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو
آمن ". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد . وأغلقوا الأبواب عليهم وهم
ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين ، وقد دخل مرفوع الجباه . ودخل
جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة
الثامنة للهجرة .
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله تعالى : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))
واستسلمت مكة ، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء : الله أكبر .. الله أكبر .
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرم ، وطاف بالكعبة ، وأمر
بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها . وكان يشير إليها وهو يقول : (( و قل جاء
الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ))
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل
بكم ؟ " قالوا : " خيراً . أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم " . فقال عليه الصلاة
والسلام : " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فما أجمل العفو عند المقدرة ،
وما أحلى التسامح والبعد عن الانتقام . ولننظر ما فعل الغالبون بالمغلوبين
في الحربين العالميتين في قرننا هذا ، قرن الحضارة كما يقولون ، لنعلم
الفرق ما بين الإسلام والكفر .
وهكذا ارتفعت راية الإسلام في مكة وما حولها ، وراح الناس ينعمون بتوحيد الله .28