الصمد هو السيّدُ الذي انتهى سُؤدَدُه ، الذي له الصمدية المطلقة في كل شيء ، وقال الإمام البخاري
باب قولِهِ : (اللَّهُ الصَّمَدُ ) والعَرَبُ تُسمِّي أشرافَها الصَّمَدَ ، قال أبو وائِل : هو السيّدُ الذي انتهى
سُؤدَدُه ، وقال شيخ الإسلام : ( والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة وليست
كذلك بل كلها صواب والمشهور منها قولان أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له ، الثاني أنه السيد
الذي يصمد إليه في الحوائج ) وقال ابن الجوزى في زاد المسير ( وفي الصمد أربعة أقوال أحدها أنه
السيد الذي يصمد إليه في الحوائج رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس قال الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده قال أبو عبيدة هو السيد الذي ليس
فوقه أحد والعرب تسمي أشرافها الصمد ، وقال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد
الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم والثاني أنه لا جوف له قاله ابن عباس
والحسن ومجاهد وابن جبير وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي ، والثالث أنه الدائم ، والرابع الباقي
بعد فناء الخلق حكاهما الخطابي وقال أصح الوجوه الأول لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد
القصد يقال اصمد فلان أي اقصد فلان فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج )
.
وخلاصة المعاني في الصمدية أن الصمد هو السيد الذي لا يكافئه من خلقه أحد ، والمستغنى عن كل
من سواه وكل من سواه مفتقر إليه معتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه
بوجه من الوجوه ولا يوصف بصفته أحد وليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر
أمورهم ، فأصمدت إليه الأمور فلم يقض فيها غيره ، هو المقصود إليه الرغائب والمستغاث به عند
المصائب ، هو الذي لا جوف له وليست له أحشاء لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء .
والصمد اسم يدل علي ذات الله وعلى صفة الصمدية المطلقة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها
بالتضمن ، وعلى وصفة الصمدية وحدها بالتضمن ، وعلى الحياة والقيومية والأحدية باللزوم ، وكذلك
يدل باللزوم على كمال والعلم القدرة والعزة والقوة والحكمة والعظمة وكمال العدل الحكم وكل ما يلزم
لكمال الذات والصفات التي تحقق السؤدد في كل شيء .
أما دعاء الله باسمه الصمد دعاء مسألة ودعاء عبادة ، فدعاء المسألة كما ورد في الحديث الصحيح
الذي تقدم : (اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً
أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ، وأما دعاء العبادة فيظهر من خلال صدق المسلم
في اعتماده على الله الصمد ، وحسن توكله عليه ، فيعتمد على الله قبل الحركة والسكون ثم يأخذ
بالأسباب كيفما يكون ، ويرضى بما قسمه الله ، لعلمه أن تقسيم المقادير بيديه المبتدا منه والمنتهى إليه
، فلا حول ولا قوله إلا بالله ، وعند البخاري من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أن النَّبِى صلى الله عليه
وسلم قَالَ له : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلِ
اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وجهي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أمري إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظهري إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ
وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ
فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ ،
قُلْتُ وَرَسُولِكَ ، قَالَ : لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ .