ركنا العمل المُتَقَبَّل، والأصلانِ والشّرطانِ اللذان ينبغي أنْ يتوفرا في العمل حتى يكون هذا العمل مقبولًا عند الله تبارك وتعالى:
أنْ يكون خالصًا
, وأنْ يكون صوابًا،
فأمَّا الخالصُ فأنْ يكون لله،
وأمَّا الصّوابُ فأنْ يكون على شريعة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} فهذا هو العملُ الصّواب،
{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} هذا هو العملُ الخالص للهِ ربِّ العالمـــين.
فَجَمَعَ اللهُ تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة شَرْطَي قبولِ العمل
وهما: الإخلاصُ والمتابعة.
فأمَّا الأصل الأول وهو الإخلاص - إخلاص العمل لله تبارك وتعالى -:
فقد تَقَرَّرَ في الشريعةِ أنَّ الله تعالى لا يقبل مِنْ العمل إلّا ما كان خالصًا وأُرِيدَ به وجهُهُ.
لا يقبل الله رب العالمـــين من العمل إلّا ما كان خالصًا وأُرِيدَ به وجهه، والأدلة على ذلك من الكتاب والسُّنَّة كثيرةٌ جدًّا:
فَمِنَ الكتاب:
قولُهُ تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة : 5]،
وكذلك قولُهُ تعالى:{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج : 37].
وَمِنَ السُّنَّةِ: قولُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّات, وَإنّما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ, وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». وهذا حديث متفق عليه.
وكذلك قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ:
«بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلاَدِ, وَالنَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدِّينِ, وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعَمَلِ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ», وهذا حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك
- «وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعَمَلِ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ» -.
وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ:
«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ, فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ». وهذا حديث صحيح أخرجه ابن ماجه في سُنَنِهِ.
وعن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ
فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا - مجاهدًا في سبيل الله - يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟
فَقَالَ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ شَيْءَ لَهُ». فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل مرة - «لاَ شَيْءَ لَهُ».
ثُمَّ قَالَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ». وهذا الحديث أخرجه النسائي بإسناد جيد.
فهذه الآيات الكريمات, وهذه الأحاديث الشريفة قاضيةٌ بأنَّ العملَ لا يُقبل حتى يكون خالصًا لله.